إقالة غالانت- نتنياهو يعزز قبضته على الدفاع وتأثيراتها على إسرائيل

المؤلف: إيهاب جبارين10.03.2025
إقالة غالانت- نتنياهو يعزز قبضته على الدفاع وتأثيراتها على إسرائيل

في خطوةٍ جريئة وفي خضم الأحداث المتسارعة، أقدم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على إعفاء يوآف غالانت من مهام منصبه كوزير للدفاع، وهو القرار الذي أثار جدلاً واسعًا في الأوساط السياسية والإعلامية. هذا القرار يأتي في أعقاب تصاعد التوترات الداخلية التي تفاقمت بسبب قانون تجنيد "الحريديم" الذي يعتبر نقطة خلاف محورية، لاسيما وأن "الحريديم" يمثلون عمودًا فقريًا في دعم هذه الحكومة. بالإضافة إلى ذلك، يضاف إلى الأسباب مطالبة غالانت المتكررة بتشكيل لجان تحقيق رسمية للبحث في ملابسات أحداث السابع من أكتوبر/ تشرين الأول.

وقد ذهب البعض إلى حد وصف غالانت بأنه "حصان طروادة" داخل الحكومة، ممّا يثير التساؤل حول الدوافع الحقيقية وراء إقالته في هذا التوقيت بالذات.

من الضروري التنويه إلى الفروقات الجوهرية بين هذه الإقالة وبين محاولة الإطاحة به في مارس/ آذار 2023. في المرة الأولى، كانت هناك مظاهرات حاشدة تجتاح البلاد، بينما في هذه المرة، يظهر غالانت بمظهرٍ أقل قوة وتأثيرًا. ورغم استمرار الاحتجاجات، إلا أنها تبدو أقل حدة وأكثر تركيزًا على قضية الأسرى، وهي القضية التي عمل نتنياهو على تهميشها وعزلها عن باقي القضايا المطروحة.

الشارع الإسرائيلي، في سعيه للحفاظ على الأمن القومي، يفضل الوحدة وتجنب الانقسامات، حتى وإن كان الأمر يخفي وراءه الكثير من الاستياء. فالعدو المتربص، من وجهة نظرهم، لن يرحمهم في حالة الضعف، والانقسام هو أول مظاهر الضعف وأولى خطوات الانهيار.

ويبدو أن غالانت قد فقد الكثير من شعبيته وثقة المحتجين، سواء كان ذلك بقصد أو بغير قصد، في محاولته لاحتواء نتنياهو. وقد تجلى ذلك في تماهيه مع مواقف الأخير، خاصة بعد تعطيل عمل الكنيست وتقييد صلاحياته، ممّا قلّل من قدرة غالانت على المناورة.

الاختلاف الآخر يكمن في القدرة على استخدام الإضراب كأداة للضغط الاقتصادي. ففي سبتمبر/ أيلول الماضي، أعلن الهستدروت إضرابًا مفتوحًا للضغط على نتنياهو لإبرام صفقة تبادل الأسرى، إلا أن نتنياهو استغل ضعف القضاء وقدرته على المناورة السياسية لإفشال هذا الإضراب وتحويله إلى إضراب جزئي غير مؤثر.

وحتى الآن، لم يقم الهستدروت بصرف تعويضات للمضربين، ممّا يضعف من قدرته على حشد الدعم وتنظيم إضرابات فعالة في المستقبل، خاصة وأن قضية الأسرى تتصدر الأولويات.

يتجلى اختلاف ثالث في ضعف المعارضة الإسرائيلية، التي لطالما كانت محدودة الصلاحيات ومقتصرة على تقديم الاستجوابات. نادرًا ما تمكنت المعارضة من إسقاط حكومة أو معارضة قوانين مصيرية.

وقد ظهر ذلك جليًا في سلسلة التشريعات الأخيرة التي تمثل ضربة للديمقراطية في إسرائيل، مثل قانون تجريم الأونروا وإقالة المعلمين. وحتى لو حاولت المعارضة المناورة، فإنها ستجد صعوبة في الحصول على الأصوات اللازمة لحجب الثقة عن الحكومة، خاصة بعد انضمام ساعر إلى الائتلاف الحاكم، ممّا يتطلب وجود ثمانية أعضاء منشقين بالإضافة إلى غالانت، مقارنة بأربعة أعضاء في السابق. وهذا يقودنا إلى الاختلاف الرابع، وهو حزب الليكود.

الليكود، الذي يعني اسمه "التكتل"، يبدو اليوم أكثر تماسكًا من أي وقت مضى. ففي مارس/ آذار 2023، كانت هناك أصوات داخل الليكود تعبر عن استيائها من سياسات نتنياهو، وكانت مستعدة للثورة عليه في حال استمر في التعديلات القضائية.

إلا أن هذه الأصوات تم إسكاتها وتهميشها، ولم يعد لها أي تأثير يذكر، خاصة في ظل الحرب الدائرة التي باتت جزءًا من مصيرهم السياسي. فقد رهنوا مستقبلهم بنتنياهو بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، وفقدوا فرصتهم في التمرد عليه قبل أن يغرقوا معه في مستنقع هذه الحرب التي لا تبدو لها نهاية.

وبالتالي، لن يكون أمام غالانت المعزول سوى الاعتزال السياسي بعد تجريده من صلاحياته وقدرته على المناورة.

أما الاختلاف الأخير فيتعلق بالجانب الخارجي، وبالأخص الموقف الأمريكي. فإقالة غالانت، الذي كان يعتبر رجل واشنطن في هذه الحكومة بعد خروج غانتس وآيزنكوت، تؤكد على سيناريو التعقيد الميداني الذي يتبناه نتنياهو لعرقلة أي حل سياسي ممكن في المستقبل، خاصة مع قرب الانتخابات الرئاسية الأمريكية. остается лишь опасение, что Байден освободится от избирательных ограничений и попытается «выкрутить руки» Нетаньяху в качестве последней возможности исправить курс и репутацию «наследия Байдена».

العلاقات الأمريكية الإسرائيلية ستشهد تصعيدًا ملحوظًا، لكن لن يصل إلى حد الخلاف العلني. نتنياهو يراهن على تصحيح المسار مع الإدارة الأمريكية القادمة من خلال المناورة السياسية والدبلوماسية والعودة إلى استراتيجية "من يرمش أولاً يخسر".

ولكن بعد كل هذا، يبقى السؤال: ما هو تأثير ذلك على إسرائيل، حكومة وحربًا؟

نتنياهو أصبح وزير الدفاع الفعلي، في حين أن كاتس محدود الصلاحيات والقدرات، وربما كان أحد أسوأ وزراء خارجية إسرائيل. وفي هذا المشهد الحرج، يمكن القول إنه وصمة عار، خاصة وأن كل ما يجيده هو التغريد على منصة إكس. ولكن من يحتاج إلى وزير خارجية ما دامت الولايات المتحدة تقوم بالدور الدبلوماسي الإسرائيلي على أكمل وجه؟

نتنياهو لطالما اعتبر وزارة الدفاع مقبرة سياسية، فإما وزراء مقالون أو مستقيلون، أو وزراء محدودو الصلاحيات. ولكن الوضع مع كاتس مختلف، فهو تعيين صوري، وكأن نتنياهو قال له: "تعال كل صباح ضع بصمة إصبعك ثم اختفِ".

المشهد ليس غريبًا على إسرائيل، فقد سبق لرؤساء الوزراء أن احتفظوا بهذا المنصب لأنفسهم، ولكن الاختلاف هنا هو أنهم كانوا رؤساء أركان سابقين. فهل أعمت النرجسية نتنياهو الفاقد للخبرة العسكرية؟

هذا يرتبط أيضًا بنائب الوزير الذي سيعينه نتنياهو، كما فعل في حكوماته السابقة. فهل سيعين نائب وزير براغماتيًا يجيد التحدث "بالأمريكية" واللغة "الأمنية" ويتقن المناورات اللوجيستية؟

أما بالنسبة لنية إقالة رئيس الأركان هرتسي هاليفي، فإن الإقدام على هذه الخطوة سيكون ضربًا من الجنون. لذا، أرجح أن يكون التلويح بهذه الورقة مجرد "تسريبات" كلاسيكية في محاولة لتحريك الشارع، ولكن لن يتم اتخاذ قرار الإقالة بهذه السرعة.

ولكننا نتحدث عن هرتسي هاليفي الضعيف مسبقًا، الضعيف بشكل مطلق. ففي كل مرة تخرج أصوات متمردة من داخل الجيش، يشكل ذلك إزعاجًا لنتنياهو، خاصة وأنه لا يريد التورط أكثر في هذه الحرب التي باتت خسائرها الاستراتيجية شبه محسومة. والخسارة ستسجل على الجيش بشكل مباشر.

يضاف إلى ذلك لجان التحقيق في أحداث السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، والمطالبة بحسم الجبهة الشمالية على الأقل. كل هذه العوامل دفعت نتنياهو إلى سحب ورقة السند من الجيش، وهو غالانت، كما فعل في يوليو/ تموز الماضي حين هدد بإقالة غانتس وآيزنكوت، اللذين استقالا بدورهما. وبعدها رأينا كيف أصبح الجيش أكثر انصياعًا وتماهيًا مع رغبات نتنياهو.

وهناك وجه ضعف آخر، وهو أن اتخاذ القرارات العسكرية كان في السابق عبارة عن مناورة بين رئيس الحكومة ووزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان. أما الآن، فسيكون على هرتسي هاليفي المناورة أمام نتنياهو كرئيس للحكومة ونتنياهو كوزير للدفاع، ممّا يضعه في موقف حرج وصعب.

السيطرة على الجيش من قبل التيار الديني الصهيوني أصبحت أقرب إلى الواقع، خاصة في ظل حكومة قومية دينية يمينية تملك سلطة التعيينات المطلقة. وأي استقالة أو إقالة لهرتسي هاليفي ستعني تفردًا واحتكارًا تامًا لليمين المتطرف فيما يخص التعيينات المصيرية لإسرائيل.

فهل سنرى رئيس هيئة أركان من التيار الصهيوني الديني لأول مرة في تاريخ إسرائيل؟ هذا هو المشهد الذي طالما حلمت به هذه الحكومة منذ بداية مشروع التعديلات القضائية.

والآن، وبعد إزالة "حصان طروادة" الأخير من أروقة الحكومة، وفقًا للمنظور الديني الحريدي والصهيوني القومي، يمكن القول إنها باتت أكثر استقرارًا وتناغمًا وانسجامًا. بل يمكن القول إن غالانت أصبح مثالًا لمن تسول له نفسه إزعاج سير هذه الحكومة من داخل أروقة الليكود أو حتى الصهيونية الدينية، خاصة بعد أن أصبح ساعر مطلق الولاء في المنصب الوزاري الأهم في مسيرته السياسية.

في خلفية كل هذا، يبقى واقع واحد أكيد تفرزه هذه المعطيات، وهو أن إسرائيل لم تكن يومًا بهذه الهشاشة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة